* قال ابن حجر الهيتمي:
الْبَابُ الْأَوَّلُ: فِي الْكَبَائِرِ الْبَاطِنَةِ وَمَا يَتْبَعُهَا: وَقَدَّمْتُهَا لِأَنَّهَا أَخْطَرُ، وَمُرْتَكِبَهَا أَذَلُّ الْعُصَاةِ وَأَحْقَرُ، وَلِأَنَّ مُعْظَمَهَا أَعَمُّ وُقُوعًا وَأَسْهَلُ إرْتِكَابًا وَأَمَرُّ يَنْبُوعًا، فَقَلَّمَا يَنْفَكُّ إنْسَانٌ عَنْ بَعْضِهَا لِلتَّهَاوُنِ فِي أَدَاءِ فَرْضِهَا، فَلِذَلِكَ كَانَتْ الْعِنَايَةُ بِهَذَا الْقِسْمِ أَوْلَى، وَكَانَ صَرْفُ عِنَانِ الْفِكْرِ إلَى تَلْخِيصِهِ وَتَحْرِيرِهِ أَحَقَّ وَأَحْرَى.
وَلَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ: كَبَائِرُ الْقُلُوبِ أَعْظَمُ مِنْ كَبَائِرِ الْجَوَارِحِ، لِأَنَّهَا كُلَّهَا تُوجِبُ الْفِسْقَ وَالظُّلْمَ، وَتَزِيدُ كَبَائِرُ الْقُلُوبِ بِأَنَّهَا تَأْكُلُ الْحَسَنَاتِ وَتُوَالِي شَدَائِدَ الْعُقُوبَاتِ.
وَلَمَّا ذَكَرَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ الْكَبَائِرَ الْبَاطِنَةَ وَأَوْصَلَهَا إلَى أَكْثَرَ مِنْ سِتِّينَ قَالَ: وَالذَّمُّ عَلَى هَذِهِ الْكَبَائِرِ أَعْظَمُ مِنْ الذَّمِّ عَلَى الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَالْقَتْلِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ، لِعِظَمِ مَفْسَدَتِهَا وَسُوءِ أَثَرِهَا وَدَوَامِهِ، فَإِنَّ آثَارَهَا تَدُومُ بِحَيْثُ تَصِيرُ حَالًا لِلشَّخْصِ وَهَيْئَةً رَاسِخَةً فِي قَلْبِهِ، بِخِلَافِ آثَارِ مَعَاصِي الْجَوَارِحِ فَإِنَّهَا سَرِيعَةُ الزَّوَالِ بِمُجَرَّدِ الْإِقْلَاعِ مَعَ التَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ وَالْحَسَنَاتِ الْمَاحِيَةِ وَالْمَصَائِبِ الْمُكَفِّرَةِ: {إنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود:114].
_______________________
(الزواجر عن اقتراف الكبائر)
ابن حجر الهيتمي.
المصدر: موقع المحتسب.